فصل: تفسير الآية رقم (51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (51):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} فلا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب. {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} إيماء على علة النهي، أي فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضاً لاتحادهم في الدين وإجماعهم على مضادتكم. {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي ومن والاهم منكم فإنه من جملتهم، وهذا التشديد في وجوب مجانبتهم كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا تتراءى ناراهما» أو لأن الموالي لهم كانوا منافقين. {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} أي الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم.

.تفسير الآية رقم (52):

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}
{فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعنى ابن أبي وأضرابه. {يسارعون فِيهِمْ} أي في موالاتهم ومعاونتهم. {يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار. روي أن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي موالي من اليهود كثيراً عددهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله، فقال ابن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية موالي فنزلت. {فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح} لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين. {أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ} يقطع شأفة اليهود من القتل والإِجلاء، أو الأمر بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم. {فَيُصْبِحُواْ} أي هؤلاء المنافقون. {على مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نادمين} على ما استبطنوه من الكفر والشك في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فضلاً عما أظهروه مما أشعر على نفاقهم.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)}
{وَيَقُولُ الذين ءامَنُواْ} بالرفع قراءة عاصم وحمزة والكسائي على أنه كلام مبتدأ ويؤيده قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر مرفوعاً بغير واو على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ، وبالنصب قراءة أبي عمرو ويعقوب عطفاً على أن يأتي باعتبار المعنى، وكأنه قال: عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا، أو يجعله بدلاً من اسم الله تعالى داخلاً في اسم عسى مغنياً عن الخبر بما تضمنه من الحدث، أو على الفتح بمعنى عسى الله أن يأتي بالفتح وبقول المؤمنين فإن الإِتيان بما يوجبه كالإِتيان به. {أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} يقول المؤمنين بعضهم لبعض تعجباً من حال المنافقين وتبجحاً بما منَّ الله سبحانه وتعالى عليهم من الإِخلاص أو يقولونه لليهود، فإن المنافقين حلفوا لهم بالمعاضدة كما حكى الله تعالى عنهم {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} وجهد الأيمان أغلظها، وهو في الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا. {حَبِطَتْ أعمالهم فَأَصْبَحُواْ خاسرين} إما من جملة المقول أو من قول الله سبحانه وتعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم، وفيه معنى التعجب كأنه قيل أحبط أعمالهم فما أخسرهم.

.تفسير الآية رقم (54):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} قرأه على الأصل نافع وابن عامر وهو كذلك في الإِمام، والباقون بالإِدغام وهذا من الكائنات التي أخبر الله تعالى عنها قبل وقوعها، وقد ارتد من العرب في أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: بنو ملدج وكان رئيسهم ذا الخمار الأسود العنسي، تنبأ باليمن واستولى على بلاده ثم قتله فيروز الديلمي ليلة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من غدها وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة فسر المسلمون وأتى الخبر في أواخر ربيع الأول. وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجند من المسلمين وقتله وحشي قاتل حمزة. وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً فهرب بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه. وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه سبع فزارة قوم غيبنة بن حصن، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة زوجة مسيلمة، وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد وكفى الله أمرهم على يده، وفي إمرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشام. {فَسَوْفَ يَأْتِى الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قيل هم أهل اليمن لما روي: أنه عليه الصلاة والسلام أشار إلى أبي موسى الأشعري وقال: «هم قوم هذا» وقيل: الفرس؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سُئل عنهم فضرب يده على عاتق سلمان وقال: «هذا وذووه». وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيله، وثلاثة آلاف من أفناء الناس. والراجع إلى من محذوف تقديره فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز عن معاصيه. {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} عاطفين عليهم متذللين لهم، جمع ذليل لا ذلول فإن جمعه ذلل، واستعماله مع على إما لتضمنه معنى العطف والحنو أو للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم أو للمقابلة.
{أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} شداد متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه، وقرئ بالنصب على الحال. {يجاهدون فِي سَبِيلِ الله} صفة أخرى لقوم، أو حال من الضمير في أعزة. {وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ} عطف على يجاهدون بمعنى أنهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلب في دينه، أو حال بمعنى أنهم مجاهدون حالهم خلاف حال المنافقين، فإنهم يخرجون في جيش المسلمين خائفين ملامة أوليائهم من اليهود فلا يعملون شيئاً يلحقهم فيه لوم من جهتهم، واللومة المرة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان. {ذلك} إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف. {فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} يمنحه ويوفق له {والله واسع} كثير الفضل. {عَلِيمٌ} بمن هو أهله.

.تفسير الآيات (55- 61):

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)}
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءَامَنُواْ} لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقيبه من هو حقيق بها، وإنما قال: {وَلِيُّكُمُ الله} وَلم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع. {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة} صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح. {وَهُمْ رَاكِعُونَ} متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعه إليه، وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه. واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة.
{وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءَامَنُواْ} ومن يتخذهم أولياء. {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} أي فإنهم هم الغالبون، ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على البرهان عليه فكأنه قيل: ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم، وتعريضاً لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان. وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حَزَّ بِهِمْ.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أَوْلِيَاء} نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإِسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما. وقد رتب النهي عن موالاتهم على اتخاذهم دينهم هزواً ولعباً إيماء إلى العلة وتنبيهاً على أن من هذا شأنه بعيد عن الموالاة جدير بالمعاداة والبغضاء، وفصل المستهزئين بأهل الكتاب والكفار على قراءة من جره وهم أبو عمرو والكسائي ويعقوب، والكفار وإن عم أهل الكتاب يطلق على المشركين خاصة لتضاعف كفرهم، ومن نصبه عطفه على الذين اتخذوا على أن النهي عن موالاة من ليس على الحق رأساً سواء من كان ذا دين تبع فيه الهوى وحرفه عن الصواب كأهل الكتاب ومن لم يكن كالمشركين. {واتقوا الله} بترك المناهي. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} لأن الإِيمان حقاً يقتضي ذلك. وقيل إن كنتم مؤمنين بوعده ووعيده.
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً} أي اتخذوا الصلاة، أو المنادة وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة.
روي: أن نصرانياً بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أحرق الله الكاذب، فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام فتطاير شررها في البيت فأحرقه وأهله. {ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} فإن السفه يؤدي إلى الجهل بالحق والهزؤ به، والعقل يمنع منه.
{قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا} هل تنكرون منا وتعيبون، يقال نقم منه كذا إذا أنكره وانتقم إذا كافأه. وقرئ: {تَنقِمُونَ} بفتح القاف وهي لغة. {إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بالله وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} الإِيمان بالكتب المنزّلة كلها. {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون} عطف على {أن آمنا} وكأن المستثنى لازم الأمرين وهو المخالفة أي: ما تنكرون منا إلا مخالفتكم حيث دخلنا الإِيمان وأنتم خارجون منه، أو كان الأصل واعتقاد أن أكثركم فاسقون فحذف المضاف، أو على ما أي: وما تنقمون منا إلا الإِيمان بالله وبما أنزل وبأن أكثركم فاسقون، أو على علة محذوفة والتقدير هل تنقمون منا إِلا أن آمنا لقلة إِنصافكم وفسقكم، أو نصب بإضمار فعل يدل عليه هل تنقمون أي: ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون، أو رفع على الابتداء والخبر محذوف أي: وفسقكم ثابت معلوم عندكم ولكن حب الرياسة والمال يمنعكم عن الإِنصاف. والآية خطاب ليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يؤمن به فقال: {آمنا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى: لا نعلم ديناً شراً من دينكم.
{قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرٍّ مّن ذلك} أي من ذلك المنقوم. {مَثُوبَةً عِندَ الله} جزاء ثابتاً عند الله سبحانه وتعالى، والمثوبة مختصة بالخير كالعقوبة بالشر فوضعت هاهنا موضعها على طريقة قوله:
تحِيَّةُ بَيْنِهِم ضَرْبٌ وَجِيع

ونصبها على التمييز عن بشر. {مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} بدل من بشر على حذف مضاف أي بشر من أهل ذلك من لعنه الله، أو بشر من ذلك دين من لعنه الله، أو خبر محذوف أي هو من لعنه الله وهم اليهود أبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات، ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت، وبعضهم خنازير وهم كفار أهل مائدة عيسى عليه الصلاة والسلام. وقيل كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة ومشايخهم خنازير. {وَعَبَدَ الطاغوت} عطف على صلة من وكذا {عَبْدُ الطاغوت} على البناء للمفعول، ورفع {الطاغوت} و{عبد} بمعنى صار معبوداً، فيكون الراجع محذوفاً أي فيهم أو بينهم، ومن قرأ {وعابد الطاغوت} أو {عبد} على أنه نعت كفطن ويقظ أو عبدة أو {عَبْدُ الطاغوت} على أنه جمع كخدم أو أن أصله عبدة فحذف التاء للإضافة عطفه على القردة، ومن قرأ {وَعَبَدَ الطاغوت} بالجر عطفه على من، والمراد {مِنْ} الطاغوت العجل وقيل الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى.
{أولئك} أي الملعونون. {شَرٌّ مَّكَاناً} جعل مكانهم شراً ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم، وقيل: {مَكَاناً} منصرفاً. {وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السبيل} قصد الطريق المتوسط بين غلو النصارى وقدح اليهود، والمراد من صيغتي التفضيل الزيادة مطلقاً لا بالإضافة إلى المؤمنين في الشرارة والضلالة.
{وَإِذَا جَاؤُوكُم قَالُواْ ءَامَنَّا} نزلت في يهود نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في عامة المنافقين. {وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} أي يخرجون من عندك كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك، والجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعلي دخلوا وخرجوا، وقد وإن دخلت لتقريب الماضي من الحال ليصح أن يقع حالاً أفادت أيضاً لما فيها من التوقع أن أمارة النفاق كانت لائحة عليهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يظنه ولذلك قال: {والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} أي من الكفر، وفيه وعيد لهم.